Homeمنوعات

التوطين في المملكة العربية السعودية ليس مجرد إجراء روتيني

التوطين في المملكة العربية السعودية ليس مجرد إجراء روتيني

في إطار جهودها لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، انطلقت المملكة العربية السعودية في سباق لتوظيف مواطنيها والاستثمار في تطوير مهاراتهم وخبراتهم في سبيل الاحتفاظ بهم في مختلف الشركات. وأشار تقرير نشره المرصد الوطني للعمل مؤخراً إلى تزايد معدلات التوطين التي يشهدها القطاع الخاص في المملكة، علماً أنّ 1,758,558 مواطناً سعودياً كانوا يعملون لدى شركات القطاع الخاص في الربع الثالث لعام 2020 بالمقارنة مع 81,430 مواطن فقط في الربع الثاني من العام ذاته.

وتعليقاً على هذا الموضوع، قالت الأستاذة منى الثقفي، المديرة الإقليمية لشركة سيركو في المملكة العربية السعودية: “تنظر العديد من المؤسسات إلى التوطين على أنّه إجراء روتيني يتوجب عليهم تنفيذه، بينما يغيب عنهم في الواقع بأنّ هذه الخطوة تنطوي على العديد من الجوانب التي ستعود بالفائدة على الموظف نفسه وعلى أصحاب العمل والمملكة بأسرها في نهاية المطاف. فبمجرد توظيف المواهب المحلية وتدريبها ستُسهم الشركة في الارتقاء بمهاراتهم، وترد الجميل للمجتمع والدولة بأكملها. ومن جانب آخر، يُمكن التعامل من التوطين من منظور تثقيف المواطنين في أقرب وقت ممكن حول الفرص التي تنتظرهم للعمل في القطاع الخاص؛ وإزالة أي مخاوف قد تُراودهم حول العمل خارج القطاع العام”.

ومن جانبها، قالت عهود العمودي، استشارية التنمية البشرية: “ترتكز رؤية المملكة 2030 على ثلاثة محاور رئيسية، وهي: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح. ويؤدي التقاء هذه المحاور الثلاثة دوراً رئيسياً في جهود تحقيق التوطين. وما نعنيه بالاقتصاد المُزدهر تلك البيئة الداعمة والحوكمة الفعّالة ووجود العوامل التي تُساعد الاقتصاد على النمو والازدهار، مثل برنامج الشركات مع القطاع الخاص، الذي أطلقه صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كجزء من رؤية المملكة. وأمّا عند الحديث حول الرؤية ومبادراتها المطروحة اليوم، نجد بأنّها تقوم بشكل رئيسي على توافر الظروف المناسبة لتنمية القطاعات الرئيسية، لتحفيز الابتكار وضمان حصولنا على القوى العاملة القادرة على تحقيق الإنجازات”.

تحديد المشكلة

تكمن المشكلة في توجه الكثير من المؤسسات إلى اعتبار سياسة التوطين مجرد إجراء روتيني بسيط، حيث تلتزم باللوائح الحكومية أو بنود التعاقد عند توظيف المواطنين، لكنها بذلك تبتعد عن المفهوم الأساسي للتوطين. إذ أن توظيف شخصٍ لمجرد تطبيق اللوائح الحكومية أو شغل منصب ينتقص من المواهب والقدرات الموجودة في قطاع العمل، ويبتعد عن الهدف الأساسي للتوطين المتمثل في تطوير الكفاءات المحلية.

المنهجية المناسبة

في ضوء هذه الممارسات، أصبح من الضروري التعامل مع التوطين بطريقة لا تقتصر على سعي الشركات لتحقيق أهداف التوطين المحددة لها فحسب، بل تعزز الاستثمار في المواهب المحلية التي يتم توظيفها. ولذا ينبغي للشركات الحرص على تطوير موظفيها من المواطنين والسعي الجاد لبناء قوة عاملة وفريق إدارة مستقبلي مكون من مواطنين بارعين ومتمرسين ومؤهلين. 

التدريب عامل حاسم

يعدّ التدريب من العوامل بالغة الأهمية، وهو من أكثر جوانب سياسة التوطين التي يتم إغفالها. فتجاهل التدريب والتطوير هو جنوح بعيد عن المفهوم الأساسي للتوطين وإساءة كبيرة للدولة التي احتضنت هذه الشركات ووفرت لها سبل النجاح والربح الوفير. إذ سيساعد بذل الجهد والوقت في اختيار المواطنين المناسبين للمناصب المناسبة والاستثمار في تطويرهم وتدريبهم وتأهيلهم على تعزيز قدراتهم على المساهمة في نمو الشركة وتعميق مشاركتهم في سير العمل وتنفيذ رؤية الشركة. إذ أن الشركات التي تستثمر في موظفيها تحقق نجاحاً أكبر بكثير من تلك التي تتعامل معهم على أنهم مجرد أرقام، وهو ما ينطبق بدوره على إجراءات التوطين. إضافة إلى ذلك، سيساعد الاستثمار في التدريب والتطوير على خفض معدلات الاستنزاف ودعم تحقيق الأهداف النسبية للتوطين، والتي سيستمر سقفها بالارتفاع حتماً كلما اقتربت الشركات من تحقيقها وفقاً للرؤى المختلفة لدول الشرق الأوسط.

دعم الشركات الحكومية

يمكن للشركات دعم عملية التوطين بسبل أخرى سوى توظيف المواطنين مباشرة فيها. فعلى سبيل المثال، إذا أرادت شركة تقديم خدمات لشركة بأغلبية وطنية أو حتى حكومية، يمكنها اعتماد برنامج مشابه لنموذج “تحويل، تدريب، نقل” الذي صممته شركة سيركو الشرق الأوسط وطبقته مرات عديدة. ويعمل هذا النموذج على توظيف خبرات سيركو وقدراتها العالمية لنقل العمليات التشغيلية إلى شركة العميل وتقديم تدريب شامل للمواطنين فيها.

ويسمح هذا التدريب لشركة العميل وموظفيها من المواطنين بمواصلة العمل وفق أعلى المعايير العالمية بالاستفادة من التزامات سيركو التعاقدية تجاهها، حيث يتم نقل كل المعلومات التشغيلية والتجهيزات والتدريبات والشهادات والمؤهلات إلى شركة العميل. وتتيح هذه المنهجية تطبيق عملية التوطين بالوكالة عبر تطوير وتدريب مواطني الشرق الأوسط على العمل بمستويات وأساليب عالمية، وتزويدهم بالأدوات والمهارات الضرورية ليتمكنوا من العمل بشكل مستقل دون الحاجة إلى دعم أو تدخل إضافي من الشركات العالمية.

استقطاب المهارات الوطنية إلى القطاع الخاص

قد تحظى وظائف القطاع العام بجاذبية أكبر بكثير من وظائف القطاع الخاص بالنسبة للمواطنين، ما يجعلها عقبة في طريق توطين القطاع الخاص. ويعود ذلك إلى الشعور بالواجب الوطني المتمثل في أن الالتزام بالعمل في القطاع العام يسهم في دعم الدولة بشكل مباشر من جهة، وإلى اتباع شركات القطاع الخاص باستمرار لمنهجيات ضعيفة في التدريب والتطوير من جهة أخرى. ويكمن الحل في تعزيز التعاون والتفاعل بين موظفي القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية وواضعي السياسات منذ المراحل المبكرة. وأمّا بالنسبة للقطاع الخاص، فلا بد من تسليط الضوء على المسارات الوظيفية التي يزخر بها القطاع وضمان إطلاع الطلاب على أنواع الوظائف التي توفرها الشركات الخاصة، ما يُسهم في دعم الدولة بشكل غير مباشر.

وإضافة إلى ذلك، تُعد الخبرات العملية من العوامل ذات الأهمية الكبيرة؛ إذ يُمكننا مثلاً من خلال مبادرات كبرنامج سيركو للدراسات العليا، الذي يتيح للطلاب فرصة تجربة العمل في مجالات وأقسام مختلفة في الشركة على مدى ستة أسابيع، أن نُعمق تجربتهم ونلفت انتباههم إلى الفرص المتعددة المتوفرة في القطاع الخاص. إلى جانب ذلك، تقدم برامج سيركو المخصصة للتوطين والدراسات العليا نموذجاً وإطاراً تنظيمياً للتدريب والتطوير المستمر للمواطنين، وتُتيح برنامجاً يعمل بنظام التناوب بحيث يسمح للخريجين فرصة اكتساب الخبرات من خلال أداء أدوار وظيفية وداعمة وتعاقدية ليستكشفوا أكثر المجالات التي يتميّزون بها.

ويتمثل الهدف الأسمى لحكومات المنطقة في إنشاء قوة عاملة وطنية تتمتع بمهارات ومعارف وخبرات مستدامة. وأصبح دعم رؤية توطين المناصب المهمة في الشركات إلى جانب مشاركة الخبرات والمعارف بنجاح مع الآخرين عاملاً بالغ الأهمية، في ظل تراجع الاعتماد على شركات الوافدين وقواها العاملة. ولأن التوطين عملية أعقد من مجرد إجراء روتيني بسيط، فإن الاستثمار في المواطنين وتدريبهم وتطويرهم إلى جانب مشاركة المعارف والخبرات مع الشركات المحلية يسهم في دعم الأهداف التي تسعى حكومات المنطقة إلى تحقيقها. وخلاصة القول، إن أمام المنطقة مستقبل مشرق، ويجب على سيركو، بصفتها شركة عالمية أو وافدة، الاستمرار في دعم رؤى الحكومات ورفد مسيرة نمو هذه المنطقة المزدهرة.

COMMENTS